الثلاثاء، 5 مارس 2013

أزواد بأ قلام موريتانية


نبدأ اليوم نشر مجموعة مقالات بعنوان "أوراق" عن أژواد، وقضيته التي تعتبر أهم تطورات الساعة، التي لها تأثير كبير على موريتانيا والإقليم. بقلم محمد محمود ودادي، كاتب ودبلوماسي سابق
(1)
جمهورية مالي
استقلت باسم اتحاد مالي في 20 يونيه 1960 ثم أعلن الاستقلال من جديد في 20 شتنبر 1960 بعد الانفصال عن سنغال. تبلغ مساحتها 1240190 كلم 2 ( منها 822000 كلم2 في أژواد) وسكانها حوالي 11 مليون نسمة (منهم مليونان في أژواد)، هذه الدولة وريثة جزء كبير من إمبراطورية غانة، التي تأسست في القرنين 4و5 م في موريتانيا وعاصمتها كومبي صالح، قبل أن تسقط في أيدي المرابطين في القرن 11م، وهي أيضا وريثة إمبراطورية ملّي (مالي) (القرن14) قبل سقوطها على يد إمبراطورية صونغاي (القرن 15) ثم دمر دمر هذه الغزو المغربي (نهاية القرن 16).
أژواد، تحده من الشمال الجزائر ومن الشرق النيجر ومن الجنوب والجنوب الغربي نهر النيجر، وأراضي مالي، ومن الغرب موريتانيا. ومدنه الرئسية: ڴاوو (العاصمة) تنبكتو (العاصمة الثقافية) كيدال، والثلاث هي عواصم الولايات التي يتشكل منها الإقليم اليوم حسب التقسيم الإداري لجمهورية مالي. واسم الإقليم أمازيغي، ربما مشتق من اسم نهر "زواد" الناضب، ويطلق أژواد على القسم المالي من الصحراء الكبرى، وأزواڴ على الجزء النيجري بما فيه حواضر طاوه وأڴادس.
وتسكن الإقليم مجموعات الطوارق المنتشرون في كل الإقليم، إضافة إلى العرب ، وهم أساسا البرابيش في الغرب، وكنته في الوسط والجنوب، والصونغاي والفلان في الجنوب والجنوب الغربي، ويتحدث هؤلاء خمس لغات هي تماشق (الطوارق) الحسانية (العرب) الصونغائية أو كوروبورو (الصنونغاي) الفلانية ( إفلان). أما الموارد فظلت على مدى التاريخ تربية الماشية التي اضمحلت في العقود الماضية بسبب الجفاف والحروب، التي أجبرت أعدادا كبيرة من السكان على الهجرة. ويوجد مخزون نفطي غير محدد الحجم، كما يوجد أورانيوم ومجموعة من المعادن المختلفة، لكنها غير مستغلة. ويعتمد السكان المجاورون للنهر في رأس الماء والعقفة وفي ضفته اليمنى في ڴورمه على زراعة القليل من أنواع الذرة والخضروات، والصيد النهري، لمن سكان المراكز الصحراوية يعتمدون أساسا على ما يبعثه أبناؤهم من الخارج وعلى موارد التهريب، الذي تمتهنه مجموعات جعلت من الإقليم معبرا أيضا لتجارة المخدرات، التي تدر عليهم موارد كبيرة.
لمحة تاريخية
يُجمع المؤرخون على أن أول من أقام مدينة ڴاوو ثم تينبكتو هم قبائل لمطه وبعض من لمتونة، وقبيلة تارڴه، ومن هذه المجموعات يتألف شعب أژواد الأمازيغي، الذي تعرب البعض منه ليصبح في عداد القبائل المستعربه مثل كلنصر الغربيين، وبعض المجموعات في كنته والبرابيش. أما الهجرة العربية الحديثة فكانت في نهاية القرن 15 على أيدي البرابيش القادمين من شمال موريتانيا عن طريق آدرار والظهر، وهم في أغلبيتهم من قبائل بني حسان، حيث تنحدر الأرومة الرئيسية من حمُّ بن حسان، وعبد الرحمن بن حسان (الرحامنه). وتبعهم الكنتيون في سنة 1130هـ 1717م انطلاقا من الساقية الحمراء، عبر تْوات والحنك وأرڴشاش.
تحدث الرحالة والإخباريون عن أژواد في بداية القرن 14م كإقليم يتمتع بحكم ذاتي تابع مع صحرائه لإمبراطورية مالي، لكنها فقدت السيادة عليه في حدود 1433م؛ وفي عام 1591 احتل سلطان المغرب أحمد الذهبي الإقليم وحواضره بعد أن قضى على إمبراطورية الصونغاي المسلمة؛ ومن ذلك التاريخ لم يخضع أژواد لسيطرة مركزية منتظمة حتى وصول الاستعمار الفرنسي عام 1893، والذي حيث جوبه بمقاومة شديدة من الطوارق والعرب..
موريتانيا وأژواد
ظل شعب البيظان على طول تاريخه يعتبر أژواد امتدادا له، فقبل دخول الإسلام كان موطنا لقبائل البربر التي يعود إليها سكانه من التوارق، وبعض أطراف صنهاجة، التي ينتمي إلى فروعها المختلفة غالبية سكان غرب الصحراء وشمالها، ومع دخول الإسلام وانتشاره، انتمت أژواد أو أطراف واسعة منها لدولة الإسلام الكبرى "المرابطون" في الطرف الغربي، فانضوت قبائل هذه المنطقة الشاسعة، تحت لواء الإسلام، وازداد التمازج بين أبنائها، ووقعت الهجرات المتبادلة، فشرّق البعض وغرَب الآخر، لنرى في موريتانيا الحالية أقواما من أصول تارقية أژوادية، وأخرى لمتونية في الشرق. ثم جاء الانتشار العربي في الصحراء الكبرى، ليعم كل أجزائها حتى أژواد، وتزداد الروابط قوة، ويتعزز التواصل، الذي بلغ أوجه بعلاقات حواضر موريتانيا القديمة بقواعد أژواد الكبرى.
هذه العوامل، وغيرُها جعلت من أژواد وموريتانيا صنوان، يكمل أحدهما الآخر، على طول المساحة الشاسعة التي يحتلانها في الصحراء والغرب الإفريقيين؛ وحتى في عصور غياب الدولة المركزية، ظلت العلاقات قائمة، بل نشطة بين الطرفين، ترجح كفتُها أحيانا لأژواد، خاصة بعدما تدهورت أوضاع مدن القوافل الغربية: ودان وشينقط وتيشيت وولاته لصالح تنبكتو وڴاوو، الأژواديتين، إذ أصبحت الأولى أشهر حاضرة إسلامية في الصحراء الكبرى وجوارها، بفضل مدارسها وعلمائها الأجلاء الذين كان من أشهرهم أحمد بابا بن محمد إقيت الصنهاجي، الذي انتشر صيته حتى بلغ الشمال الإفريقي، أيام محنته، عند سقوط دولة السونغاي في مستهل القرن 11 هـ (نهاية القرن 16م). ثم جاء القرنان الثاني عشر والثالث عشر الهجريان (18و19م) لتختطف أژواد الأضواء من جديد بظهور الشيخ سيدي المختار الكبير، وخلفائه، الذين صاروا قبلة للبيظان عامة، وللطامحين إلى الارتواء من العلم، وهديه في الغرب الإسلامي، حتى تشاد شرقا والمحيط الأطلسي غربا، ومن أدغال جنوب الصحراء جنوبا إلى تخوم الجزائر والمغرب شمالا، مما أعاد لهذا الحيز إشعاعه الثقافي والديني، وعزز اللحمة بين الصنوين الشرقي والغربي، فحُفرت أژواد في الذاكرة الجمعية، كامتداد لثقافة البيظان وجزء من تاريخهم.
يتواصل...
 وللمزيد   http://www.alsoque.net/vb/showthread.php?t=1829
**********************************
محمد يحظيه ولد ابريد الليل يكتب : موريتانيا وازواد “1″
بدأ الكاتب المخضرم الجزء الأول من السلسلة التي عنوانها ب “موريتانيا وأزواد” بالحديث عن التغلغل الاستعماري في موريتانيا، وكيف أن كابولاني حاول أن يحتل موريتانيا من خلال إقليم أزواد، وعجز عن تنفيذ خطته هذه بسبب عدم القدرة على تأمين خطوط اتصال.
أو طرق إمداد فاختار الطريق الأسلم من خلال الجارة السنغال التي يحتلها الفرنسيون آن ذاك منذ ما يقرب من قرن.
كما عرج الكاتب في هذه الأثناء على الجهود الكبيرة التي بذلها الشيخ ماء العينين بالتعاون مع ملوك المغرب في سبيل صد التغلغل الاستعماري.
وتحدث بعد ذلك عن خطة كابولاني في التغلغل السلمي في البلد من خلال الاستيلاء على عقول وقلوب قادة الرأي في البلد، والتأكيد باستمرار على عدم عداوة فرنسا للإسلام، وتدليلا على ذلك “قام بتوزيع عدد من كتب المتصوفة مثل دليل الخيرات وكتب الجزولي وغيرها” حسب تعبير الكاتب
وانتقد ولد ابريد الليل بعد ذلك بشدة تجاهل قادة البلد على مدى الخمسين عاما لمنطقة أزواد التي يري السياسي المعروف أنها تجتمع مع البلد في عدد كبير من الأمور، وأرجع جزء كبيرا من ذلك إلى أن قادة البلد لم يكونوا يستشيرون أحدا في رسم سياساتهم بل يرون أن مثل هذه الاستشارة تنقص من قدر الرئيس. ولم يثر اهتمامنا لهذه المنطقة المهمة لنا إلا ما حدث من أحداث في الآونة الأخيرة، فأصبحنا فجأة ندرك أن هناك جارا لنا اسمه أزواد، كما لو أنه هناك جدار سميك يمنعنا من التواصل مع هذه المنطقة.
وتوقف الكاتب عند ما تعرضت له هذه المنطقة خلال الخمسين سنة هي عمر الدولة الموريتانية من ظلم وضغوط “دون أن يثيرنا ذلك” حسب تعبير الكاتب مرجعا ذلك إلى أنه قد تكون هناك أشياء حدثت في مناطق أقرب منعتنا من سماع ما يحدث هناك.
ولد ابريد الليل أسقط نفس الوضع على الصحراء الغربية التي اعتبر أن الدولة تجاهلتها طويلا أكثر من 18 سنة من الاستقلال، قبل أن تقيم فيها ما وصفها ب “مسرحية هزلية أعاقتنا عن الاهتمام بهذا الجزء من الإقليم”
ودلل الكاتب على ذلك بما وصفها ب”الحركة التي قام بها عدد من الصحراويين والموريتانيين في العام 1970من القرن الماضي من أجل التوعية بضرورة استقلال الصحراء عن إسبانيا، لكن هذه الحركة لقيت كل التجاهل من الحكومة الموريتانية حتى قتل رئيسها تحت التعذيب من قبل الإسبان دون أن تنبس حكومتنا ببنت شفة، بل أكثر من ذلك تعرضت مظاهرات هذه الحركة في انواكشوط إلى القمع من قبل الشرطة الموريتانية” حسب تعبيره
وأضاف الكاتب “ولو فرضنا أن ما بذلته الحكومة الموريتانية من جهد ومال ورجال في حرب الصحراء ذهب جزء قليل منه إلى العمل في ذلك الوقت من أجل جلاء الاستعمار الإسباني لكان الوضع مختلفا تماما الآن، وخصوصا على المستوى الأخلاقي”
ويضيف ولد ابريد الليل “لقد كانت سياسة موريتانيا تجاه الصحراء بعيدة كل البعد عن الاتجاه الصحيح، وهو ما أدى بنا في النهاية إلى أن ندخل في متاهة لن نخرج منها أبدا” وبرر ولد ابريد الليل-وهو للتذكير أحد قادة الجناح المدني لانقلاب العاشر من يوليو- ماقام به قادة هذا الانقلاب من انسحاب من نزاع الصحراء بأنه كان ضروريا لوقف حمام الدم، ومع ذلك فإنه لم يصلح ما فسد من قبل، فقد اتسع الخرق على الراقع، فقد انقطعت أواصر الأخوة بيننا” حسب تعبيره
وختم ولد ابريد الليل الحلقة الأولى من السلسلة بقوله “إن من أسسوا بناء الدولة وضعوا قاعدة تقول: القضايا الخطيرة أولى من القضايا الكبيرة، فليس علينا أن نناقش مستقبلنا البعيد وأن نضع الرؤي السياسية له، فكل هذه الأمور موكولة إلى القائد المتفرد، وكل من جاءوا إلى الحكم كانوا يقومون بإطفاء الحرائق المشتعلة لا أكثر، ويجرون وراءهم تقاليد موروثة، ومساعدين لمن قبلهم لا يزالون حاضرين في المشهد، ويتبعون سياسة أن الصمت أبلغ من الكلام”. وللمزيد
 http://www.alsoque.net/vb/showthread.php?t=1910
********************
حْلاَمُ شَعْبٍ تَتَبَدَّدْ..!!!
الاثنين 28 كانون الثاني (يناير) 2013

الباحث: احمد جدو ولد محمد عَمُو ولد إگَّ Ahmedjiddou83@gmail.com
من مدينة مراكش الحمراء، حيث يرقد أبرز زعماء الحركة المرابطية، يوسف بن تاشفين في قبر متواضع بالقرب من ساحة جامع "الفنا" الشهيرة التي أسَّسها المرابطون خلال القرن الخامس الهجري، استعيدُ ذكريات تاريخ أمة هناك في صحراء الملثمين...، تملكني شعور غريب وأنا أقف أمام قبر زعيم دانت له المنطقة من أودغست حتى بلاد الأندلس، وهو يرقد خلف قبة متواضعة حالها كحال بلدي الحبيب وساكنته أحفاد (المرابطين، الشناقطة).
لقد استطاع أجدادُنا من المرابطين إنشاء دولة مركزية في الغرب الاسلامي في فترة عزَّ فيها قيام مثل تلك الدولة في المنطقة عموما، رغم نَأيِهم عن مجالاتهم التقليدية حيث صحراء الملثمين، متخذين من مراكش عاصمة لهم، وهي التي تقع بعيدا عن المجالات الجغرافية التي كانت تحت سيطرة القبائل المرابطية التي ينتمون إليها، وهذا ما يشي بقوة السلطان التي وصلت إليه الحركة المرابطية إبَّان أوْجِ قوتها، وما استطاعت تحقيقه من بسط للنفوذ وإرساء لدولة الإسلام في شمال وغرب إفريقيا والأندلس...
لقد كانت الحقبة المرابطية بحق من أهم الفترات التي عرفها تاريخ الدولة الاسلامية في المغرب الاسلامي، فكيف لثُلة من المرابطين القادمين من جزيرة تيدرة على المحيط الأطلسي-حيث ربوع قبائل الملثمين- أن تقيم دولة مترامية الاطراف كتلك الدولة...؟؟ لم يتحقق لهم ذلك لكثرة في العدد ولا قوة في العتاد وإنما بإيمانهم بالله وتضحياتهم في سبيل إقامة العدل فوق أرض الله وتحت سمائه، بسطوا النفوذ وأوقفوا المدَّ الصليبي لبلاد الإسلام عقود عديدة وسنوات مديدة (أربعة قرون)، هؤلاء هم أجدادنا المرابطون الذين لازالت تضحياتهم تمثل مجدا وتاجا على رأس كل موريتاني بل كل مسلم في هذه الدنيا.
ولم يتوقف البذل والعطاء والتضحية لدى أسلافنا عند الفترة المرابطية فحسب، بل سَأمرُ وإن بشيء من التَّجوُّزِ في السياق التاريخي لأحط الرحال بالفترة الشنقيطية لأُبرِز أمجادا أخرى هناك مثَّلها أجدادنا من الشناقطة علما وورعا، فقد ضربوا في ذلك أروع الأمثلة حيثما حلوا، فذاك المشرق الاسلامي يعرفهم قبل أن يعرفهم الغرب الاسلامي، ففي افريقيا حدِّث ولا حرج عن العلم والدعوة التي أخرجوا بها الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ظلمات الجهل إلى نور العلم...
ولمَّا جاء دور الاستعمار نفَّذ أجدادنا -ساكنة البلاد السائبة- الذين نعتز بهم خطة محكمة ثنائية تقوم على مقاطعة ثقافية شاملة، ومقاومة مسلحة خاضوا غمارها مع بساطة في العتاد، لكن مع إيمان راسخ وعزة بالنفس وتشبث بأرض ألِفُوها منذ نعومة أظْفَارِهم، فقدَّموا في سبيل ذلك أرواحهم رخيصة في سبيل الدين والوطن، حتى اندحر المستعمر مخلِّفا أذيال الهزيمة وراءه ، و بذلك يكونوا قد أوصلوا سفينة موريتانيا إلى برِّ الأمان لينتهي دورهم مع ظهور "الدولة الحديثة" .
دولة ينعم فيها كل موريتاني بالأمن والأمان، ينال حقوقه و لا يظلم نقيرا و لا قطميرا، دولة يتساوى فيها الغني والفقير، فهم أمام القانون سواسي، دولة العدالة الاجتماعية دولة الحرية، دولة بناء وتعمير، دولة مدنيَّة لا قبلية ولا حزبية (الحزب الواحد).... هذا ما تمنَّاه الرعيل الأول الذي حمل مشعل الحرية للبلاد السائبة، لكن هل كناَّ حقاً خيرَ خلفٍ لخير سلف ؟؟؟
أظن أن الإجابة ومع الاسف، هي لا وألف لا، لم نكن ذلك الخَلف الذي تشبَّث بالمَقُولة الشهيرة "عيب الديار على من بالديار بقي"، فما إن قامت الدولة الحديثة وهي لا تزال في مهدها حتى تم وَأدُ كل الآمال التي علقها أولئك البناة الذين أرادوها موريتانيا للجميع فأرادها من خَلفَهم موريتانيا للإقصاء والتهميش .
فمنذ الارهاصات الاولى لقيام الدولة إلى يوم الناس هذا ابتُلي هذا الشعب الطيب بحَفْنة من العسكر يتحكمون في مصيره وخيراته، مؤسسة عسكرية انتقلت من المرابطة في الثغور إلى المرابطة في القصور، همُّها ليس الدفاع عن الوطن وإنما الصراع على السلطة، فاليوم ينقلب عاليها على سافلها وغدا ينقلب سافلها على عاليها، في دوامة لا متناهية، ادخلت مصير هذا الشعب في حلقة مفرغة، فمنذ أن شكَّل العسكر مجلسه الخاص بالحكم الأبدي لموريتانيا ، المتمثل فيما سُمي اللجنة العسكرية للخلاص الوطني، وموريتانيا تئِن تحت وطأة سلطة عسكرية متشبثة بالحكم، وكأن الادبيات العسكرية لدى مؤسستنا العسكرية، وما يُلقَّن لمجندي الجيش ومختلف القوات المسلحة هو ضرورة الدفاع عن السلطة السياسية العسكرية بدل الدفاع عن الحوزة الترابية .
 وللمزيد
http://www.alsoque.net/vb/showthread.php?t=2015
***************
لمحات من تاريخ قرية تنيگي/ إعداد محمد يحيى بن محمد بن احريمو
إن مما لا شك فيه أن القرى والحواضر الموريتانية تضم وراء جدارنها الصامتة تاريخا حافلا يشكل جزء كبيرا من تراث هذا البلد ورافدا من روافده ومكونات هويته... تاريخ حافل يهب عبقه بكثير من الأمجاد والمآثر والشيم الفاضلة . 
وقد امتازت النسخة الثانية من مهرجان المدن القديمة التي احتضنتها قرية وادان هذا العام 2012م بإدراج قرية تنيگي ضمن برنامج المحاضرات المنظمة في المهرجان . 
وقد كنت ضمن الفريق الذي انتدب لتمثيل هذه القرية حيث قمت بإعداد بحث عن تاريخ قرية تنيگي ودورها في التأسيس للثقافة الإسلامية والتقاليد العالمة في موريتانيا وهو ما شكل فرصة للكشف عن جوانب عدة من تاريخ هذه القرية ظلت إلى وقت قريب مجهولة لدى معظم القراء وتحت إلحاح الزملاء والإخوة على نشر بعض نتائج هذه البحوث فقد حرصت على تلبية طلبهم وإفادتهم بما طلبوه .
قرية تنيگي نشأتها وموقعها ومكانتها التاريخية
تأسست قرية تنيگي في أواخر القرن السادس الهجري بعد حين من سقوط دولة المرابطين وهي الدولة التي ينتمي سكان هذه القرية إلى الأرومة التي كان لها فيها دور الريادة وشرف القيادة ألا وهي قبيلة لمتونة الكبرى فلا غرو إذا أن كان لقرية تنيگي نصيبها وإرثها الكبير من القيم والتقاليد المرابطية . 
وتعتبر قرية تنيگي من أهم المدن التاريخية الموريتانية الغابرة التي شهدت ازدهارا علميا وحضاريا وعمرانيا هاما ما يزال تاريخه بحاجة إلى الدراسة والتمحيص .
تقع قرية تنيگي في منطقة آدرار وتبعد عن مدينة انواكشوط العاصمة الموريتانية حوالي 600كلم إلى الشمال الشرقي وتقع قريبا من خط العرض 20درجة و27 دقيقة و10ثوان من العروض الشمالية وعلى خط الطول 12 درجة و21دقيقةو45ثانيةغرب خط "كرينتش".
وقد تم اختيار موقع القرية من طرف مؤسسيها بعناية تامة فهي تقع على ضفة واد كبير هو الوادي المسمى فيما بعد بـ "ارغيوية " ومن المرجح أن هذا الوادي كان في القديم يحتوي على مياه غزيرة دائمة طوال العام وهو ما مكن ساكني القرية من ممارسة زراعة النخيل والواحات شأنها في ذلك شأن أودية آدرار المعروفة .
كما تقع قرية تنيگي كذلك على الطريق التجاري المعروف " بالطريق اللمتوني " الذي يربط بين درعة وسجلماس في المغرب وبين منطقة آدرارفي موريتانيا مرورا بالمجابات الكبرى ولهذا كان لأهل تنيگي دور هام في التجارة عبر الصحراء وتسيير القوافل وكان لهم نشاط تجاري واسع خصوصا في جنوب المغرب وفي المناطق المحاذية لنهر السينغال ولدينا شواهد عديدة على هذا الأمر يضيق المقام عن ذكرها .
وقد ورد أول ذكر مكتوب لقرية تنيگي في رحلة البرتغالي فالانتيه فرناندوس الذي دون مجموعة معلومات نقلها عن بعض المستكشفين والرحالة الذين زاروا شواطئ الأطلسي سنة 850هـ وقام بجمع بعض المعلومات عن منطقة آدرار وموريتانيا عموما وقد تحدث عن قرية تنيگي باعتبارها إحدى أهم قرى منطقة آدرار .
وتجمع المصادر التي تحدثت عن تنيگي على أنها كانت قرية آهلة بالسكان وافرة الأسواق تعج بمختلف أوجه النشاط العلمي والتجاري والاقتصادي الهام.
يقول الشيخ سيدي محمد بن الشيخ سيدي المختار الكنتي في الرسالة الغلاوية متحدثا عن تنيگي: " إنها كانت قصرا مشيدا " ويقول أحمد بن الأمين الشنقيطي في الوسيط في كلامه على جغرافية منطقة آدرار :" تنيگي وهي مدينة مشهورة وكانت من مدن آدرار المعتبرة فيما مضى وكانت بها دور ونخيل ولم يبق منها اليوم إلا الأطلال وجذوع النخيل ".اما العلامة المؤرخ الكبير المختار بن حامد فيقول عنها : " ولما وضعت حرب المرابطين أوزارها أسس تجكانت قريتهم "تنيگي" في القرن السادس الهجري وأقاموا بها قريبا من أربعة قرون في غاية ما يكون من العمارة والدين والعلم والمال والعدد ".
لمحات من التاريخ الثقافي لقرية تنيكي
ودورها في تأسيس التقاليد العلمية في موريتانيا
عرفت قرية تنيگي بكثرة علمائها و ازدهارها الثقافي والعلمي وهو أمر سارت به الركبان ونسجت حوله الحكايات والقصص المستغربة. 
ومن أشهر ذلك الرواية التي تقول " إنه كان في تنيگي أربعون جارية فارقة تحفظ الموطأ " وهي رواية مشهورة أوردها الشيخ سيدي باب في رسالته " تاريخ إيدوعيش ومشظوف " نقلا عن العلامة المتبحر والشيخ المعمر أفلواط بن محمدُّ بن المختار بن أحمدن ألفغ الجكني الذي أدركه الشيخ سيدي باب مطلع القرن الرابع عشر وهو إذ ذاك شيخ كبار قد جاوز المائة وأدرك كثيرا من الشيوخ والأكابر من أمثال المختار بن بونا والشيخ سيديا ومحنض باب بن اعبيد وغيرهم .
ومنها رواية أخرى نقلها الأستاذ المختار بن حامد عن العلامة اباه بن محمد الأمين اللمتوني وهي أن أكثر البلاد يومئذ علما قرية تنيگي ومدينة القاهرة .
وقد شاعت هذه الحكايات وتداولها الناس شرقا وغربا وهي وإن كانت لا تخلو من نوع مبالغة فإن لها قيمة ودلالة رمزية لا يمكن إهمالها إطلاقا كما هو معروف لدى الباحثين في علم الاجتماع فهي ليست إلا صدى لواقع ثقافي قديم و تعبيرا عن ماض مجيد شهدته هذه القرية .
 وللمزيد
http://www.alsoque.net/vb/showthread.php?t=1831
**************
نحن و أزواد
الأربعاء 24 تشرين الأول (أكتوبر) 2012
أحمد بابه مسكه
أثارت مقالات محمد يحظيه ولد ابريد الليل حول "موريتانيا و أزواد" ... ما كان طبيعيا أن تثيره ، فقد تناول فيها بكل وضوح تاريخ البلد بكامله و على وجه خاص حقبه الحساسة بما أنها الأقرب زمنيا، وتعرض لبعض المحظورات المثيرة للجدل، فاتحا مجالا واسعا للجدل والنقاش وربما التأمل. وهو بذلك يلعب دور المثقف السياسي ؛ ومهما يكن موقف القارئ من مضمون المقال فلا شك أنه سيستمتع بأناقة اللغة و رفعة المستوى الأدبي، إذا كان ممن يعرفون جماليات لغة "ابوالو". ولا نري تناقضا بين ذلك و بين شغف الكاتب بلغته ـ لغة الضاد ـ ودفاعه المستميت عنها ضد اجتياح "لغة كبولاني"، فتعلم اللغات واستخدامها كأدوات لاكتشاف الثقافات والعلوم لا ينبغي أن يخضع للمواقف تجاه السياسات المتغيرة للحكومات والدول. ومن المعلوم أيضا أن الوطنيين المقاومين ضد الاجتياح الأجنبي كانوا يستخدمون عبر العصور إتقان لغة العدو كأحد الأسلحة الأكثر فعالية ضد طغيانه.
بالنسبة لي أود إبداء بعض الملاحظات حول بعض النقاط ‘ أولها بخصوص الشأن الأزوادي . قد يتساءل القارئ "ما له ولأزواد؟ " فقليل جدا من الموريتانيين من يعلم أن أحد مواطنيهم قام قبل عشرين سنة بوساطة في جمهورية مالي كللت بقسط من النجاح حيث أفضت إلى "الميثاق الوطني" و "اتفاقيات باماكو" المبرمة بتاريخ 11 ابريل 1992 بين الحكومة المالية و "منسقية حركات و جبهات أزواد الموحدة".
كنت آنذاك موظفا دوليا ‘ كمدير مكلف بالدول الأقل نموا باليونسكو باريس؛ وقد طلبت مني الحكومة المالية أن " أسهل الاتصال " بينها و بين الثوار الطوارق الناشطين في شمال البلد. اعتبرت أن تلك المهمة واجبا مقدسا، كما كنت أفعل دائما كلما أتيحت لي فرصة الإسهام قدر المستطاع في تسوية النزاعات في إفريقيا. ساندت خلال العقود الماضية حركات النضال التحررية في قارتنا و خارجها (فييتنام، فلسطين...) مع السعي طبعا في دعم الحلول السلمية كلما سنحت فرصة بذلك. و من غريب الصدف و... حسن الحظ ، أن اتصالا من "الطرف الآخر" بلغني في نفس الوقت تقريبا دون أن يعلم أحدهما بما يفعل خصمه، طبعا ؛ فبينما كنت أستقبل مبعوث باماكو، اتصل بي مثقف طوارقي قريب من ثوار الشمال ليبلغني رسالة منهم تطالبني بمساندة نضالهم "مثلما ساندت جميع القضايا العادلة التي كرست وقتي لها خلال عقود." كان الجواب بكل بساطة أن الفرصة سانحة بل مثالية لخدمة قضيتهم عبر القيام بمهمة سلام.
من أجل القيام بتلك الوساطة على أكمل وجه، كان من البديهي ضرورة الاعتماد على دعم أو على الأقل الحياد الايجابي لبعض الجيران و الشركاء الهامين ؛ خاصة الجزائر و فرنسا. بعد الـتأكد من دعم الجزائر ( التي استمرت في لعب دور ريادي في الوساطة بين الثوار الطوارق و باماكو ‘ وساطة موازية ورسمية أحيانا) ‘ استطعت بعد الحصول علي موافقة الحكومة المالية إشراك شخصية فرنسية من العيار الثقيل. عر ضت الأمر على إدغار بيزاني الذي قبل بتحمس، وهو شخصية جديرة بالاحترام و الوزير السابق للجنرال دي غول و الذي أصبح مستشارا لفرانسوا متران ، و قد أعطي الرئيس متران موافقته مصحوبة بتعليماته لوزارة الخارجية الفرنسية لتزويدنا بالمساعدة اللازمة، والتي ظلت مع ذلك محدودة و متواضعة وفقا لطلبنا.
قمت بإعلام سلطات بلدي طبعا و طلبنا مساندتها نظرا لأن موريتانيا إحدى أهم جيران مالي و قد بدأت فعلا تستقبل العديد من اللاجئين الذين بدأنا تمهيد مهمتنا بزيارة بعض مخيماتهم في نواحي باسكنو.
لقد تم استقبالنا ‘ أنا و زميلي ادغار بيزاني من طرف الرئيس المالي آمادو توماني توري في قصره الرئاسي "كولوبا" ليفاجئنا بطلب بسيط و... غريب : "ابحثوا لي عن محاور" . كان مستعدا للحوار و التفاوض مع مواطنيه الثائرين و لتلبية مطالبهم إلى أقصى حد ممكن. لكن مع من يتفاوض ؟ ربما بدا الأمر غريبا لمن لم يتتبع الأحداث منذ سنة ؛ لنتذكر:
قبل سنة تقريبا، اندلع تمرد مسلح في شمال البلاد ادهش الكل بفجائيته و نجاعته و سرعة انتشاره في مختلف مناطق أزواد. استجابت الجارة الجزائر بصفة سريعة لنداء باماكو و نظمت لقاء، تم بموجبه توقيع "اتفاقية تمانراست" في يناير 1991. لكن نظام موسى تراوري سقط بعد ذلك بقليل دون أن يبدأ بجدية تطبيق التزاماته ... نظرا لانعدام الوسائل؟ لفقدان الإرادة ؟ لضيق الوقت؟ أو لكل تلك الأسباب وغيرها؟ ومن جهة أخرى فقدت "الحركة من أجل أزواد" بقيادة إياد آك غاليالموقع الرئيسي لاتفاقية تمانراست، فقدت وحدتها و انقسمت إلى عدة جبهات، محدثة بذلك انطباعا بسيادة الفوضى، حيث كانت تقوم مجموعات مجهولة الهوية بأعمال لا تخضع لأي منطق واضح حسب الأطراف الأخرى. ما العمل إذا؟
 وللمزيد
http://www.alsoque.net/vb/showthread.php?t=1988

*******************

أزواد: نظام الحكم  السبت, 15 سبتمبر 2012 23:15
يحيى ولد سيدي أحمد/ باحث في تاريخ وآداب الصحراء الكبرى والسودان الغربيخاص ـ (الحرية): شهدت منطقة أزواد قيام دول عديدة، كانت أشهرها وأوسمها بالعدل في السيرة دولة إسكيا الحاج محمد 1443/1538م، وكان قد حكم 36 سنة و6 أشهر. ورغم أن حكم أبنائه وأحفاده من بعده استمر حتى ما بعد قدوم الرماة سنة 1591م بوتيرة في العدل دون حكم إسكيا الحاج محمد، إلا أن تنظيمهم للدولة كان يعكس تمدنا كبيرا جدا. فكان لديهم وزراء وحكام مناطق ما بين إداريين مدنيين وقادة عسكريين، ولكل مسؤول لقبه الخاص ومسؤولياته الواضحة. كما كانت الإدارة الإقليمية مرتبة ترتيبا محكما. هذا، إضافة إلى استقلالية نظام القضاء حتى عن إسكيا نفسه.
واشتهر من بين باشوات وقادة الرماة رجالٌ معروفون بالعدل، حفظ لنا التاريخ أسماءهم، وكانوا في الغالب من الصدر الأول في دولة الرماة. كما كان للرماة نظام حكم محكم يتدرج من الباشا إلى القائد والكاهية.. يقول الشيخ سيدي المختار الكبير الكنتي:" ما أذهب الرماة إلا تلك السيرة المشؤومة المُحْدَثة بعد صدر الرماة القائمين بالسياسة والعدل، فدولتهم مستقيمة إذ ذاك، وكلمتهم مجتمعة، وشوكتهم قوية، ونكايتهم شديدة، فلم تزل تتدافع بهم أمورهم، وينتقص عدلهم، ويتزايد جَورهم، وينتشر ظلمهم، ويفشو حيفهم وشؤمهم، حتى كان الفتك لهم سيرة معروفة، والظلم طريقة مألوفة، ففتك بعضهم ببعض، فتفرق الكلام، وانفصم النظام، فلم يزل ذلك بهم حتى طوي ملكهم، وانفصم سلكهم". أما دولة التوارق، فإن سِمة البداوة حالت دون قيام نظام حكم على نمط السونغاي والرماة. ويظهر ذلك جليا منذ حكم امقشرن 1433/1469م، حيث أسندوا حكم مدينة تنبكتو إلى أسرة شنقيطية هي آل محمد نض. وفي القرن الثامن عشر الميلادي، يلخص الشيخ الكبير الكنتي وضعية أزواد بقوله:" ونحن في زمن فاسد وبلاد سائبة، والتغلب فيها للتوارق". ويضيف، متحدثا عن نظام حكمهم للأرض:" وليسوا كحال الولاة الحاملين على ما هم فيه". وجريا على عادة امقشرن عرض سلطان إولمدن أُكَدِدَ، على الشيخ الكبير الكنتي رئاسة أرض أزواد، قائلا:" يا شيخ، ألا ترى إلى فساد العامة وعوث الظلمة بالفساد في البلاد، ولا تسمع الكلمة إلا منك، ولا ينفع الدفاع في رد ذلك إلا أن يصدر عنك، فأنت المكلف بتقويم الأمة، وإقامة حدود الملة. وقال بمثل ذلك القاضي الصالح بن محمد البشير السوقي - وسائر إخوان أكدد وأبناء عمه- وإنا جميعا في قبضتك، وتحت حكم سيادتك، نأتمر بأمرك، وننتهي لنهيك؟". فقال الشيخ الكنتي:" إنما أنا رجل من سائر المسلمين، وما قصرت قط في جلب أو دفع أرى أن عائدة نفع تعود منه على الإسلام وأهله، وما طلبت في ذلك صاحبا ولا عونا ولا غاشية، فادفعوا جهدكم، وأنا من ورائكم. وأما أن أترأس أو أتعاطى ما يتعاطى أهل الولاية، فما لا يكون أبدا. وأما أنت، يا أكدد، فإن صحت نيتك وعاقدت الله تعالى على العدل في سيرتك، ضمنت لك على الله تعالى استقامة الدولة، وشدة الصولة، حتى لا يقاومك معاند، ولا ينالك بما يضرك مُكائد". وكذلك عُرضت رئاسة أزواد في نفس الفترة على زعيم قبيلة كل انتصر العربية في صميمها العلامة محمد المختار بن محمد علي بن محمد أملن، فقد كتب له أعيان قومه ومن ينسب إلى العلم من إكلاد كتابا بالمبايعة له برسم الإمارة وأنه أهل لها، وكتب له بذلك أيضا جميع انتصر وإكلاد والرماة والبرابيش وإكودرن. فجاء إلى الشيخ الكبير الكنتي، ونصحه الأخير قائلا:" إن الرماة لو أن لهم قدرة على تولية أحد ولّوا واحدا منهم، فما خرجت الولاية من أيديهم إلا بعدما عجزوا عنها، وأما البرابيش فهم[ في أرض] التوارق، وأما انتصر وإكلاد فـ[ زوايا]، وأما كناتة فلم يدخلوا تحت ولاية سلطان من زمن عقبة المستجاب إلى يومنا هذا، ولا يدخلون تحت ولايته آخر الأبد، وإنما هم زوايا: مَن لم يكن منهم في شغل بطلب العلم كان في شغل بطلب مَعاشه من ركوب الأسفار واقتحام الأخطار، وأما التوارق فمتغلبون، لا ينقادون لذي سلطان. وعلى تقدير تأهلك للخلافة، فأين الأجناد التي تصول بها؟ وأين العدة التي تقوى بها؟ وإذا كان لك جند، فمِن أين لك بيوت الأموال التي تنفق منها على الأجناد وتبذلها في استجلاب الأمداد؟ فإن كنت ذا نية صالحة في طلب الإمرة، وكان الله تعالى قد قدرها لك في سابق تقديره، فاسْعَ في تحصيل شروطها وتهيئة أسبابها بوجه لا ينقض عروة ديانة، ولا يخل بمروءة ولا صيانة، وإن يكن غير ذلك، فإياك والدخول في باطل، والسعي في ما لا تحصل منه على طائل". فلم يزد الرجل على أن مزق المكتوب ودفنه، وتنصل من ذلك وتبرأ منه وهوّنه. هذا، مع إن إولمدن كان لديهم قضاتهم من قبيلة كل السوق العربية في صميمها المشتهرة بالعلم وبتعاطي الشعر أيضا. ورغم أن إولمدن، الذين استمرت دولتهم في أزواد أكثر من قرنين من الزمن، كانوا قد بسطوا نفوذهم على غالب أرض أزواد، إلا أن النزاع القديم الجديد بينهم وبين قبائل تدمكت حال دون بسط نفوذهم على سائر بوادي أزواد، ولو لفترة من الزمن. فقد ثار عليهم الغمير بن أبتيت بن محمد المختار بن عومر بن اللاذ التدمكتي ، حين ثار على خميكا عم أبيه سلطان تدمكت الذي كان تحت وصاية إولمدن، "وخرج عنه في جماعة وافرة من أبناء اللاذ وأكثر قبائل تدمكت، فانحاز خميك إلى إولمدن مستنجدا لهم فأنجدوه، فكانت بينهم وقعة ايرانتكيفت، وكانت الهزيمة فيها على خميكا ومن معه، وقتلت منهم مقتلة عظيمة. ثم خرج إليهم في سائر إكوادرن، فكانت وقعة آركون، فكانت الهزيمة فيها على قوم الغمير، بعد ما نيل من أصحاب خميك وقتل من إولمدن زهاء المائة، وفيهم أبناء أخوات أمّ ومهمد بن أك الشيخ، ولم يبق بيت من بيوتات إولمدن إلا وقتلوا منه قتيلا أو قتيلين أو أكثر، فكانت إولمدن على عداوتهم وحربهم يدا واحدة، فغزوهم بجيش جرار حتى ألحقوهم ببلاد بنبرَ ووغّلوهم فيها، وأغاروا على كثير من أتباعهم وأشياعهم، ثم رجعوا عنهم. ثم ضاقت الأرض على الغمير ورجاله بما رحبت، فبعثوا بالكتب إلى الشيخ سيدي المختار الكنتي يستغيثونه، فركب إليهم في جماعة من طلبته وخاصته، فتلقوه بالكرامة والإكرام، وأهدى إليه الغمير ما لم يهده قبله أحد من آبائه عينا وبقرا وعبيدا وأثاثا. فأمره بالشخوص معه حتى يفد به على جميع قبائل إولمدن في دارهم. فحاص من ذلك جميع أعوانه وإخوانه حيصة حمر الوحش، وقالوا: وروده على إولمدن بحدثان موت أعزائهم في دارهم ما لا يكون ولا يتصور! وسكن هو تحت جريان الأمر، وقال: يا شيخ، لو أقحمتني النار أو جشمتني البحار لاقتحمت جمر النار ولَخُضْت لج البحار، وإني طوع أمرك الرشيد، وتحت كنفك المشيد. فركب به الشيخ ووفد به على جميع أحياء إولمدن، فما منهم إلا من تلقاه بالسهل والرحب، وبسط له كنف الكرامة والحب، حتى نزل به على أبناء أك الشيخ فأكرموه وأعطوه ما لم يعطوه لأحد من آبائه، وقدموه على تدمكت، فتمت له الكلمة فيهم، وجمع الله له بعناية الشيخ وسياسته إلى ولاية أمر تدمكت ولايةَ أمْرِ إولمدن؛ فكانوا يفِدون إليه وفادة الرعية إلى سلطانها، فيعطيهم العطايا الوافرة" .
يحيى ولد سيدي أحمد باحث في تاريخ وآداب الصحراء الكبرى والسودان الغربي
هوامش ـــ  وللمزيد
http://www.alsoque.net/vb/showthread.php?t=1977


**********************************
خمسون عاماً على إبطال الرقيق: قصة تجارة العبيد في الحجاز [1855 -1962م]
محمود عبدالغني صباغ
اهداء
الى عبيد ومواليد وجواري الجزيرة العربية قبل عام 1962م.. قاسيتم أبشع انواع المرارات، لتشقى ضمائرنا اليوم أضعاف ذلك من وطئة ما حمله -او سكت عنه- التاريخ !..والى الشباب الناهض في بلادي المملكة العربية السعودية.. أضع بين أيديكم في تهيّب وتواضع صفحة من تاريخنا القريب، خليق بنا ان نستوعب -معاً- ملامحها وتفاصيلها، ونمحص ذهنياً المفاهيم التي انطوت عليها، كي لا نعيد راهناً انتاج أيٍ من صور ذلك الماضي الكسيف.. وكي لا نستمرئ -من جديد- اي تدهور في الجهالة او انغماس في حمأة الشقاء.
-2-
تنويه لابد منه:
ان لكل عصر جوهره وقيمه ومفاهيمه وملابساته ومعتقداته وظنونه التي فطر عليها، وله -أيضاً- منطق تبدلاته وتحولاته، المرهون بمواطن القوّة وتوازناتها.. وكل ما ورد في البحث عن أفراد او عوائل او أعيان او قبائل او أعراق أو أجناس أو مُدن أو مذاهب لا يمكن ان يُقرأ الا في سياق حركتها وأدوارها التاريخية الخاضعة لمفاهيم وقيم زمانها ومكانها. ان حضورها في هذا البحث انما ينطلق من زاوية واحدة -هي زواية البحث-، التي لا يصح، ولا يمكن معها، اختصارها باطلاق أي أحكام نهائية او قطعية تمسّها.
أما لماذا هذا الموضوع؟
ان ثمة فئات كانت غائبة غالباً من سجلّ التاريخ، وقد حُكم عليهم خطأً في غيابها وكأنها خارج التاريخ، رد ذلك أن تجربتهم التاريخية ورواياتهم كانت أقرب للحجب بفضل تقييم انتقائي لمصادر محتكرة. ان تاريخ الحجاز وفيه مواقع القوة والأبويّة والنبالة والبيروقراطية ومؤسسات العلم والمدارس، تم توثيقه جيّداً دون ان يرافقه توثيق كافٍ لتاريخ صامتيه وفئاته المهمشة.
وليس في عزمنا أن نفتح مسارب الآلام وان كان من واجبنا ان نهتك الأستار، ونكشف الأعماق، ونخوض الرحلات الطويلة في أغوار العوائد والأدواء الموبوئة، الا اننا -وبشجاعة الباحث ونزاهة العلم- نعيد ترتيب ذاكرة أمّتنا الجماعية، بغية معالجتها؛ بتبيان مصائبها، وايضاح نوائبها، ووصف شقائها، وترتيب دوائها.
يقول عبدالعزيز التويجري في كتابه (لسراة الليل هتف الصباح): “وحتى لا يتهمني أحدٌ أنني أنكأ جروحاً، أضع في وجه هذا الاحتمال أن جرحاً لا يجد من يفسر سببه ومُسبباته سيظل ناغراً إذا بقي دفيناً في مدافن سوء الفهم والأحقاد الخبيثة، لا تعالجه تفسيرات وينظفه من التلوث وضوح في الرؤية، قد تصيب عدواه جسد الأمة وتاريخها، وينتقل من الفرد الى الجماعة في وباء يقوده هذا الجرح على طرقات لا هادي لها. فإن الجرح ينغر بعد حين اذا كان البناء على فساد”.
-3-
 وللمزيد
http://www.alsoque.net/vb/showthread.php?t=1969
*****************
الرق في موريتانيا بين التاريخ والميتيولوجيا والفقه/ الحسين بن محنض
تعود أصول أقدم رقيق يحتفظ بها التاريخ في موريتانيا إلى قبائل إيزگارن التي استوطنت بلاد شنقيط وأحواز بلاد درعة قبل سبع آلاف سنة من الآن. وساكنت في هذه الربوع إخوتها إيرناكن، وقبائل گنار، وأغرمان، وبافور، وبني وارث الذين تعرف بقيتهم اليوم في الموروث البيضاني بأواش،
إضافة إلى قبائل گنگاره السوننكية قبل قدوم صنهاجة وقبل مقدم الإسلام، حيث مثلت هذه القبائل المختلفة روافد مهمة للاستعباد الذي عانت منه من قبل بعضها البعض، ثم من قبل قبائل صنهاجة التي بدأت نزحتها اتجاه الصحراء الشنقيطية مع مستهل العهد المسيحي، ولم تزل تتوغل فيها إلى أن استكملت السيطرة عليها خلال العهد المرابطي (القرن 5هـ/ 11م).
وقبائل إيزگارن قبائل بربرية غلب على بشرتها الاحتراق، فأطلق عليها اليونانيون الذين احتلوا قرطاج قبل مقدم الفينيقيين اسم الاتيوبيين (الحبشيين)، ومعناها عندهم "ذوو البشرة المشتعلة". وقد كتب سيلاكس في القرن4 قبل الميلاد عنهم فعرفهم بأنهم السكان المجاورون لجزيرة سرنه (بوادي الذهب)، ووصفهم باسترسال شعر الرأس واللحية، وذكر أنهم من أجمل الناس، وأنهم طوال القامة، وأن قاماتهم تصل في أقل تقدير إلى أربعة أذرع. ويذكر اگزيل أن لاتينيين كتبوا في بداية العصر الميلادي من أمثال ميلا وبلين وبطليموس أشاروا إلى اتيوبيين (حبشيين) وصفوهم بالبياض في الصحراء، ولا يريدون بذلك أن بياضهم ناصع، بل يريدون أن ألوانهم خلاسية تتميز عن ألوان الزنوج الفحمية، فالزنوج سود والحبشيون محترقو البشرة أو حمر. وهم الذين أرادهم الشيخ محمد المامي بإطلاقه في كتابه جمان البادية على هذه البلاد اسم البلاد النجاشية، ويعرفون في اللغة الصنهاجية باسم إثگرن (إيزگارن بالحسانية) التي تعني الحمر أو محترقي اللون، وهو نفس ما تعنيه كلمة الاتيوبيين (الحبشيين) عند اليونانيين. وقد مثلت قبائل إيزگارن شأنهم في ذلك شأن إخوتهم إيرناكن أول روافد الاستعباد المعروف في هذه البلاد، فقد اصطدمت قبائل إيزگارن بأفواج صنهاجة الأولى التي قدمت إلى بلاد شنقيط مستهل العهد المسيحي، وما زال صدى استعباد إيزگارن موجودا في التقاليد المروية للبيضان حتى اليوم فيقولون: "آزگير اعبيد" كان يراد به العبد المنحدر من إيزگارن، ثم أصبح يدل على العبد الأحمر مطلقا، ويرتبط في ميتيولوجيا البيضان بصفات قدحية. وإيزگارن وإيرناكن هؤلاء هم الذين أعطوا اسم الحراطين المعروف اليوم حيث اشتهروا في بلاد شنقيط بممارسة الزراعة، فكان من يمارس الزراعة منهم في الوديان وفي الواحات يدعى بالحراطين (أهرضنن) اسمهم البربري المشتق من نحلتهم، فمعنى الأهرضنن (الحراطين) الذين يزرعون البساتين، ولا يعرف ما إذا كان اشتقاقها بربرا صرفا أو دخيلا أصله الحراثون أطلقه عليهم العرب الفاتحون. وتستخدم كلمة الحراطين في لغة البيضان اليوم للدلالة على الأرقاء السابقين، لأن العبيد في الغالب سود، وكذلك حراطين إيزگارن وإيرناكن الذين مروا بعمليات تهجين مختلفة مع البيض القادمين من الشمال والسود القادمين من الجنوب، وفارقوا حمرتهم مع الزمن لصالح السواد، فتغير مفهوم الحراطين خلال العصر الوسيط لينسحب على كل أسود حر من المجتمع الضنهاجي –فلا يدخل الزنوج- وصار كل عبد ينال حريته يصبح حرطانيا على هذا الأساس. وقد تكلف البعض لكلمة "حرطاني" (أهرضنن) التي سبقت الهجرة الحسانية إلى بلاد شنقيط معنى حسانيا فجعلها محرفة عن "حر ثاني" أو "حر طاري".
وقد انتشر هؤلاء الحراطين في المناطق الصالحة للزراعة جنوب وغرب آدرار، وبنوا عددا من السواقي العجيبة تشبه السواقي التي كان حراطين زناتة يبنونها في سجلماسة في تلك الفترة، وتسمى هذه السواقي بالصنهاجية أوچگن، ومنها اسم قرية آوليگات الحالية (70 كلم شرقي انواكشوط) التي كانت من سواقيهم، أصلها أولگن (النطق الحساني لأوچگن) كما ذكر ابن أحمد يوره في كتابه الآبار بقوله: "أوچگن [التي هي آوليگات] جمع أوچگ لأن هنالك قليبا من حفر السوادين الأول، منها موضع الساقية التي احتفروها قديما وأطلعوا منها الماء فصار يغترف منها القائم والقاعد بلا حبل ولا دلو، ثم لعب بها الزمان ومشى عليها فلم يبق منها أثر ولا عثير". وكان لهؤلاء الحراطين مزارع كبيرة في المنطقة منها مزرعة اندوگچن (اندوگلي) الواقعة إلى الشرق من آوليگات، اشتق اسمها من البساتين. وأما ما كان إلى الغرب من آوليگات فلم يحرثوه، وأطلقوا عليه اسم آمكرز، ومعنى آمكرز في اللغة الصنهاجية الأرض التي تسبب الندم لمن يقوم بحراثتها.
وذكرت المراجع الوسيطة هؤلاء الإيزگارن باسم الزغرانيين، وأطلق عليهم بنو حسان اسم الحمر أو الحمريين. ولم يزالوا معروفين في بلاد شنقيط باسمهم السلالي (إثگرن) حتى عهد قريب، حيث ذكرهم البرتغالي فرناندس -الذي تحدث عن البلاد في ما بين 913هـ و914هـ/ 1506م و1507م- كإحدى الفئات الثلاث التي يتكون منها المجتمع الشنقيطي آنذاك (العرب، أزناگه، إثگرن)
 وللمزيد
http://www.alsoque.net/vb/showthread.php?t=1818

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق