الاثنين، 21 يونيو 2010

تابع من هم كل السوك

سبب خرابها:
المعطيات التاريخية ترجع خرابها إلى القرن التاسع وهناك روايات لاتقوم أمام مجاهر النقد التاريخية ترجع خرابها إلى قوى خارجية والأقرب إلى الصحة أن خرابها لم يقع نتيجة امتداد يد أحد بل يرجع إلى عوامل الجفاف وتوالي سنوات الجدب وإلى سبب اقتصادي وهو اختفاء الذهب الذي يعتبر الغلة التي شدت إليها القوافل التجارية ومن ثم انقطاعها وتحولها عنها بعد جفاف كل روافد ومرافق الحياة فيها ومعلوم أن أي حضارة قامت بعيدا عن المسطحات المائية لن يكتب لها البقاء فالحياة من الماء فبغياب هذا العنصر الحيوي الذي يعتبر إكسير الحياة وسر الوجود يظهر الذبول والموت والفناء يقول مؤرخ المنطقة العلامة الشيخ بن سعد الدين السوقي الإدريسي في موسوعته حول هذا الموضوع. (والأقرب إلى الصحة أن المدينة ماخربها أحد وأن مغادرة الناس لها إنما كانت لجفاف موضعها مـــن الصحراء , وكثرة جدبه وانقطاع التجار وجميع المرافق عنها , وقلة الذهب عندهم الذي يؤتى إليهم لأجله)


تطورات مفهوم اللقب السوقي :


تادمكة في أصلها مملكة بعيدة الأرجاء كثيرة الشعوب لا مجال لإحصاء قبائلها في القديم وذكر الشيخ العتيق السوقي الإدريسي عن ابن حوقل الذي زارها في القرن الرابع أنه عد منها في فصل عقده لأسماء قبائل صنهاجة أكثر من عشرين قبيلة بعضها ما زالت بقاياها معروفة بينما اختفى الكثير منها فإما انقرضت أو تغيرت الأسماء ثم قال ابن حوقل : ولو قلت إني لم أصل إلى علم كثير من قبائلهم لقلت حقا إذ البلاد التي تجمعهم والنواحي التي تحيط بهم مسيرة شهور والعلماء بأخبارهم وآثارهم وأنسابهم هلكوا قال الشيخ العتيق والقبائل التي سماها ونسبها إلى تادمكة صار الكثير منها إلى بلاد آير وانقطعت العلائق بينهم وبين إخوانهم في وطنهم ومن لم يصل إلى آير ممن سماهم لم يبق منهم بنفس الاسم سوى إلغمتن. وبعد عهد ابن حوقل كثر اختلاط الأمم في عصور ازدهار مدينة تنبكتو فوفد إليها رجال العلم والتجارة من المغرب ومن توات ومن سائر الدول التي تتصل بها فتجددت منهم بعد الانصهار في المجتمع قبائل لم تكن موجودة في القرون الماضية.


هذه إطلالة خاطفة على الأصول التي ابتدأ منها الأساس الأول لمدينة تادمكة كمحطة لا بد من التعريس بها والتعريج عليها للحديث عبورا وتخلصا إلى بعض من حمل اسم السوقي أوأهل السوق في الآونة المتأخرة فهو بيت القصيد والوقوف على الأطلال معبر إليه وسبيل .


كلما رحبت بنا الروض قلنا حلب قصدنا وأنت السبيل


فيك مرعى جمالنا والمطايا وإليها وجيفنا والزميــــــل


وضغطناه في ثلاث طبقات هي مراحل وأدوار تدرج مدلوله العرفي عبر الزمن والتركيز على الأخيرة الطارئة لغلبته عليهم وإن كان لا بد من المرور بالأخريين فالشيء يذكر بغيره ويعرف بضده.


السوق في معناه القاموسي واضح غير أنه هنا علم معين أطلق على المدينة السابقة إلى جانب تادمكة التسمية العتيقة ومر أن أساسها قبائل صنهاجية انضم إليها لفائف شتى ليبية وجزائرية ومغربية تكونت منها إمارة عظيمة ثم قصدها كثير من العلماء وأسر أنصارية وشريفة.


فالسوقي نسبة تتسع لكل من انتمى إلى هذه المدينة ولو بأدنى مناسبة ومع طول الاستعمال تقلص ليصبح لقب مدح خاصا بالنخبة المتعلمة ممن مر بها أو قال بظلها ثم تكررت عليه عملية التكرير والتنقية من الشوائب بعد قصة طريفة تصف خطة اختبار قام به سلطانها ليعلم من هم العلماء الربانيون فعلا من المدعين المتعالمين وانتهت بنجاح رجال من أصول شتى نظمهم وألف بينهم صفات كمال توفرت فيهم وميزتهم أهمها النزاهة والإخلاص لله وتقديم مرضاته على الرغبات الذاتية والسواد الأعظم منهم من أصول عربية أو من تكامل معهم من أهل البلد الأصليين .


فتواصوا على التشبث بالدين والتخلق بالزهد والورع وإيثار القناعة والتوكل والاجتهاد في الكسب الطيب وهكذا حتى أصبحت تلك الصفات من ذاتياتهم متى ذكرت ذكروا ومن هنا ضمن اللقب السوقي معنى وصفيا غلب على سلالات أولئك القوم أو من شابههم وشاركهم في تلك الصفات أيا كان.


طبقات أهل السوق:


رغم وحدة البلد واشتباك الأرحام بين السوقيين لكنهم في الحقيقة أبناء أخياف أعني من آباء شتى ولنفترض أن الأم واحدة وهي السوق أو تادمكة لهذا يصنفون في طبقات ثلاث:


الأولى :أصحاب السوق الأصليون ممن يعمره قبل الفتح الإسلامي وأصلهم من صنهاجة اللثام وقد ذكرهم الشيخ العتيق بن سعد الدين السوقي الإدريسي ونعتهم بنعوت جليلة كالسابقية في الإسلام والتمسك بتعاليمه ومثل لكثير من قبائلهم مع الإشارة إلى مناطقهم الجديدة.


الفئة الثانية .


من سلالة ناشري الإسلام ممن حملوا الدين إلى هذا البلد فخالطوهم وناكحوهم فتكونت منهم أمة إسلامية من بينها العلماء والأتقياء وطغت فيهم أخوة الإسلام على أخوة النسب الذي لم يولوه من الاهتمام أكثر من الحفاظ على أن أصولهم البعيدة راجعة إلى الصحابة دون الحفاظ أوكتابة الوسائط بين ذلك إلا في النادر,


فلاقيمة عندهم للمنافرات الجاهلية أو التعززات بالأنساب والأحساب فهونوا كل نسب أوسبب سوى سببه عليه الصلاة والسلام وبحسبهم ما يشملهم منه بعيدا عن تميمية أوعامرية,وقد ورد ذكر هذه الطبقة في رسائل ثلاثة من الأشراف ممن طرقوا المنطقة في الآونة الأخيرة منهم محمد بن الهادي السوقي الأدرعي في كتابه نصيحة الأمة في القرن الثالث عشر وسبقه إلى ذلك محمد بن محمد السوقي الإدريسي المعروف (إن البوش)في القرن الثاني عشر وفي القرن العاشر محمد بن عال السوقي الإدريسي فجاء في رسالة يخاطب فيها إسكيا"إسحاق"


اعلم أن السوقيين أصله لإمرون والسوق الذي ينسبون إليه بلد في (آضاغ) نزلته الصحابة في آخر غزواتهم فبنوا فيه مدنا عظيمة وجامعا ومصلى ومساجد وحفروا فيه آبارا كثيرة عدده أيقش يعني ألف ومائة وأحد عشر ونشروا فيه العلم وولدوا فيه فرجع من رجع وبقي كثير.. إلى أن قال: إن إمرون ذرية الصحابة بلاشك وخالهم عقبة المستجاب وقد ورثوا العلم والدين من آبائهم إلى اليوم والحمد لله تجد صبيا صغيرا منهم يغلب الكبار من غيرهم كحال أجدادهم من أهل الحجاز يحفظون فنون العلم كلها وما تغير دينهم منذ خلقهم الله تعالى إلى هذا اليوم بسبب من الأسباب وبذلك يعرفون في جميع البلاد وكل من شهد عند القاضي الأكبر الأستاذ النقي الذي لم ير مثله في بلادكم ولا في غيرها المجمع على علمه ودينه وعدالته صاحب تنبكتو محمود رحمه الله يطلب تزكيته إلا السوقيين فإنه قطع بأمانتهم وعدالتهم وقال : لا نطلب تزكيتهم وقد جربناهم فوجدنا أصلهم خالصا تابعين لأجدادهم في العلم والدين الخالص..إلخ ويبدو واضحا أنه يلفت هذا السلطان إلى مراعاة مميزاتهم الخاصة بهم من العلم وصفاء الدين والرجوع إلى أصول عربية.


(وإمرون )الذين وصفهم بهذا وذكر أن اسم السوقيين في الأصل إنما يطلق عليهم انقرضوا عن آخرهم ولم يبق لهم عقب اللهم إلا من جهة البنات.


الفئة الثالثة التي ورثت التسمية في القرون الأخيرة:


هذا هوالإطلاق الوصفي الأخير للقب السوقيين ويغلب على ذوي الأصول العربية من أشراف وأنصار وغيرهم ممن عرجوا على السوق في الفترات الأخيرة وإطلاقه على كثير منهم تعميم للوصف ربما للمشابهة أو لمناسبة ما كالخؤولة أو إمضاء فترة زمنية في نطاقه وإن قلت وهم من أشرنا إلى طروقهم أبوابه في أيامه الأخيرة معروفة أنسابهم وأصالتهم العربية وقد انتهت إليهم الرئاسة العلمية في تلك الربوع منذ القرن التاسع تاريخ وفود الشطر الثاني منهم ومن ذلك الاشتهار بالريادة العلمية في المنطقة و خصوا بحظوة عالية ومكانة متميزة عند سلاطين البلد فضلا عن سائر الطبقات فحكموا فيما سوى الشؤون الحربية من السياسات الدينية والدنيوية ولم يزالوا كذلك إلى أن دب الضعف والاختلال لسلطنة (إموشاغ) أعقاب حرب دامت عشرات السنين شارك فيها أغلب قبائلهم تحت رايات سلاطينهم وعلمائهم ضد المستعمر الفرنسي على أن نشاطهم الديني وإن تأثر بزوال السلطة التي أولتهم تلك المناصب لم يتوقف بل دأبوا في التعليم والإرشاد والإفتاء والوعظ مع أوضاع تتردى دائما إلى الأسوأ.


وقد أبقى الله فيهم العلم والعمل وتناسلت منهم ذرية طيبة بعضها من بعض تنازعت ثدي المجد وتسابقت في المكرمات فلا غرو عمر الله بهم الإسلام من وإلى مدة خمسة قرون,وما غيروا ولا بدلوا ولا سئموا ولا ملوا بل هم كما قال بعض شعرائهم:


وإنا لأس للعلوم أساسها أساة لثأي ساسة للمدارس


ونحن براة لليراع رعاتها وعاة لعهدها وعهد الكرارس


ونحن فروع من أصول تلقفت فروع أصول من أصول حوارس


حوارس للمجد التليد وإنهم هم الصيد إلا أنهم كالمقابس


هم لقفونا النحو ثمت ثقفوا خواطرنا قبل التياث الملابس


ولن تزال تجد في كتاباتهم الشعرية والنثرية الشدو بأصالتهم والحنين إلى بلادهم الأصلية والشعور بالغربة وإن طال بهم المقام بمهاجرهم كما قال بعضهم :


ألم يك منشانا وممشى جدودنا


بأم القرى نقري العدى بالترامس


فإذ أسلموا لله واستسلمواله ونكست الأنصاب بين الكنائس


جمعنا جموعا واكتتبنا كتائبا إلى الغرب بسلا لم تكن بالقناعس


فلما استكان الغرب للحق وارعوى أقمنا عزين بين هاتي النسانس


ولأخرج من دائرة التعميم التي سادت ما قدمنا من المعلومات توضيحا لبعض الحقيقة وهي أن انتساب كثير من هؤلاء الأشراف والأنصار إلى السوق لاوجه له إلا على قاعدة العطف على المجاورة وليست من القواعد القطعية ولا الأغلبية.


ولقبوا نعتا على الجوار ما رأيته كقول بعض القدما


كأن نسج العنكبوت المرمل وفي بجاد بعده مزمـل


فهي ضرب من التجوز العقلي لعلاقة المجاورة والملابسة وإلا فالحقيقة أنها أسر مغربية إدريسية وأدرعية نزلت السوق أيام احتضاره ووداعه الأخير حدود القرن التاسع فانسحاب الوصف السوقي عليهم لما ذكرنا ولمعنى وصفي أشربه هذا اللقب لطول دورانه مع الشخصية العلمية الدينية وهو فعلا أبرز أوصاف هذه الأسر منذ طرقت الصحراء في التاريخ المشارإليه وينضاف إليه وصف ثان أشار إليه محمد المختار بن البكري السوقي الإدريسي من أعيانهم في القرن الحادي عشر الهجري في خطاب بعث به إلى أمير تنبكتو من باشاوات المغرب جاء فيه بعد التسليمات والتحيات (وبعد: فإني أنبهك على أنا وإن بعدنا عن تنبكتو وكنا في محاذاة كاو في صحرائها فلم ننزع أيدينا من طاعتك ولم نعد أنفسنا إلا من أهل تنبكتو لأنها موطن أسلافنا وأفيدك أيضا عن جماعتنا أنا شرفاء من أهل البيت النبوي وأن جدنا إبراهيم( بن سعيد بن المهدي بن عبد الله بن عبد الرحمن الشريف) الدغوغي المراكشي,وأن إقامتنا في هذه البلاد من أجل أن أمهاتنا وأخوالنا منها..) والرسالة كتبت في أواسط القرن الحادي عشر إبان فترة الحكم المغربي بتنبكتو وهذا الشريف يذكر لهذا القائدنسبهم وأن علاقتهم بتلك البلاد علاقة خؤولة وجوار وما زالوا ماسكين بأزمة أقلامهم إبعادا لما من شأنه أن يغطي حقيقتهم بحكم المجانسة والمجاورة .


تلك هي هجيراهم أنصارهم وشرفائهم كتابهم وشعرائهم وسجلهم الأدبي حافل بذلك هذا أحد شعرائهم القدامى يقول:


سائلن عنا الذي يعرفنا بقرانا يوم تفسيرالكتب


أبنو عدنان أم من عجم سيقولون هم هام العرب


أنحاس نحن أم من فضة سيقولون هم عين الذهب


بلداء الوقت أم نقاده سيقولون بهم قام الأدب


بخلاء الوقت أم أجواده سيقولون بهم نجح الأرب


إلى أن قال:


بعضنا فهري جد والسوى خزرجي الجذر محمود الحسب


ويقولأحد شعرائهم إغلس بن محمد بن اليمان .


وآل (سوق) وإن عدت قبائلهم فإنها دون شـك يثربيـــات


فحرفة السوق مذكانوا بذاسلفت وليس يوجدطباخ وزيـــات


محقق لفنون العلم قاطبـــة مشارك البعض للطلاب مشكاة يبدي لهم من خبايا العلم ماخفيت له المسالك نفيه وإثبـــات


ويقول أحد ثراثير بلغائهم محمود بن محمد الصالح السوقي الإدريسي.


إنا بنو يحيى بن ابراهيم مــن جد له إدريسنا المغـــوار


شيخ المغاربة الذين سمعتمــوا وأبو الرجال تجله الكفــار إنا بنو البطل ابن هاشم الـذي هو صاحب الحملات والكرار


صهر النبي وسيف مولانا علـي أعدائه الطعان والنحـــار


إلى أن قال :


ماكوننا غرباء في التكرور بالـ موهي لنا حيث الرجال اكتاروا


ويقول شاعرهم المحمود بن يحيى السوقي الأنصاري.


لله قوم جدهم يعقـــــوب وعصابة ينميهم أيــوب


أصلان للأنصار كل منهـم بتواتر متقادم منســـوب


ولكل فصل منهما ذريـــة حازت فضائل عدها المطلوب


هم من هم قوم أفاضل قادة نبلاء كل منهم منــدوب


ورثوا المفاخر واقتفوواآباءهم نصر وإيواء هوى مغلـوب


ويقول شاعرهم ومؤرخهم الحاج بن محمد أحمد السوقي الادرعي


سائلا عن أصلنا وهو جهــول إننا مارابنا عنه ذهـــــول


إننا من دوحة العز ومــــن هامة العرب مـن أبناء البتــول


سادة الســادةأرباب الحجا صفوة الصفوة من سبـط الرسول


وســواهم فتية من آل مــن ن صـروا المختـار فخر لا يزول


مـن بني الخزرج إخـوان الصفا والوفـا فيهـم قديمـالا يحول


نصـروا أحمـد آوواصــحبه نافـحوا عنه وعنهم من يصول


زد على ذينك قـوما شـاركوا آل فـهر في اعتزكيف نجـــولهـم مـــن عقبة جد لهم فاتـح الغرب جـبال وسهول


والقوافي شــاهـدات أننــا عرب ننحتها كيف نجـــول


ما اشتكى اللكـنة فينا مشتك لا ولا عيا به حين يقـــول


إن تكـن في ريبة فاستفت مـن ساجلونا في مجالات العقـول


واسأل اللسـن من أرباب اللغى هل رأوا من حدنا أدنى فلول


أو رأوا من شمسـنا إذ بزغـت فوق جو اللفظ والمعنى أفـول


قد ورثناها وغذينا بهـــا وارتضعناها وكالأصل الفصول


ويقول أحد علمائهم عندما سئل عن أصله في الحجاز وهو أحمدا بن عبدُ السوقي الإدريسي .


قالوامن أنت إلى أين المسيروماهذااللسان عرى من انتسابات


فقلت من ضئضئ العرباء من قدم وللطوارق حكم الاتصـالات


والأصل عدنان والإعراب يفصح بالـ ـحق المبين بأوضح العبارا ت


تلك صور من تغني القوم بأصالتهم وتفاخرهم بها حتى إن الواحد منهم ربما يفتخر على ابن عمه في العشيرة الواحدة فاسمع إلى واحد منهم في مساجلة بينه وبين ابن عمه وهو محمد بن يوسف السوقي الإدريسي في مناطحة شعرية وقعت بينه وبين ابن عمه المرتضى بن محمد السوقي الإدريسي:


تفاخر بالتلقين والعرب نسبة وما إن له بالعرب دوني الرفائع


وإني لمنمي إلى خير خيرة وإني لا نذل ولا أنا راضــــــــع نمتني إلى الماحي الذي خضعت له عتاة وسبحت لديه اليرامع


ثقات أجلة هداة أهلة أباة أدلة حماة سمادع


وآخر يقول لابن عمه من نفس الأسرة وهو الشيخ القاضي عيسى بن تحمد السوقي الإدريسي:


على أنا لدوحتنا اتحاد كلانا عندها متلاقيان


كلا طرفي كلينا هاشمي نماك إلى قريش من نماني


ولسنا قائلين إذا انتمينا لو أنا من بني عبد المدان


وكثير غير ذلك ستقرأ وتجده بإذن الله في موقعك الجديد في مقالات حاشدة وبحوث طريفة نهديها للضيوف السادة والإخوة الكرام بكل حفاوة وطرافة.


وعذيرنا ممن يظن أننا نتناول هذا الموضوع بنرجسية, ونتكلم عن المجتمع السوقي على أنه مجتمع ملائكي لاتتناوله أدوات الاستثناء, ولاألوم من يتصورهذا لأن بعض من يكتبون اليوم عن قومهم ووطنهم, يتناولون المواضيع بهذه النرجسية,ونحن لانتبرأ من اعتزازنا بقومنا كلا, بل سوف يجد القارئ منا تماديا في هذا الحب وإصراراعلى هذه العاطفة الجياشة التي لاتكاد تجف حتى تستثارمن جديد, ولكن نفس الأبي تأبى له أن يتحدث عن نفسه بهذا أصلا والحق أننا اضطررنا إلى الكتابة في هذا الأمر لعدم وجود من يقوم بهذا غيرنا, ولأننا أقدر على استيفاء الكيل في التعريف بهم,وغيرنا لو تناولهم فلا يكاد ينجو من التطفيف.


سياسة المدرسة السوقية تجاه سلاطين


( إموشاغ


عرفت المدرسة الدينية السوقية بسياسة الاحتفاظ على السلم وعدم الانجرار في النزاعات القبلية وإثارة النعرات,والتحالفات التي لم تبن على أسس شرعية وكذلك عدم المشاركة في الاحترابات الداخلية التي قلما تهدأ نائرتها بين القبائل الطارقية,قبل الاستعمار الفرنسي وساهمت هذه السياسة التي تنتهجها االمدرسة السوقية في صحراء أزواد, في توسيع دائرة نفوذ رجال العلم والدين فيها بين هذه القبائل نظرا لمكانة أهل الدين بينهم إضافة إلى عدم وجود ثارات وعداوات سابقة بين السوقيين وبين من حولهم من القبائل .


وكانت محافظتهم على السلم كما لايخفى نابعة عن التزامهم بتعاليم دينهم واستشعارهم للمسؤولية الملقاة على عواتقهم من قبل المجتمع الذي ينظر لهم على أنهم المثل العليا التي تمثل القدوة للجميع وكانواقد وجدوا أنفسهم أمام منطقة تموج في كثير من الأحيان بالفتن والغارات, فآثروا القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاضطلاع بدور المصلح الحامل لنبراس الهداية في ذلك الصقع من أرض الإسلام .


ولا ننسى أن مما ساعدهم على الاحتفاظ بهذه السياسة ما يقوم به سلاطين (إموشاغ) الذين يتولون زمام الأمور في صحراء أزواد, من توفير الحمايةلجميع من ينضوي تحت سلطتهم ولا سيما السوقيون الذين يمثلون السلطات الدينية ,فهم المدافعون المحامون عنهم في وجه الأخطار الداهمة, نظرا لمكانة العلماء والقضاة عندهم .


وقد أفادتنا بعض المصادر التاريخيةفي المنطقة بأن ذلك التقسيم للأدوار كان نتيجة لاتفاق تاريخي أبرم بين سلاطين(إموشاغ) وعلماء السوقيين .


وبعد ما بدأ (إموشاغ)يفقدون السيطرة على الأمور نتيجة للاستعمار الفرنسي الذي سجل أبناء قبائل الصحراء الأزوادية في مقاومته أرقى أنواع البطولات وحطموا فيه الرقم القياسي في معاني الشجاعة والصمود ورغم كل ذلك لم يسمح عدم تكافئ القوى لهم بالاستمرار أكثر من ثلاثة عقود حافظ السوقيون على نفس النهج إلا أن وضعهم الأمني لم يزل في صحة واعتلال شأنهم في ذلك شأن غيرهم من القبائل في الصحراء الأزوادية .


مما سبق يتبين لنا أنه لم تكن السياسة غائبة في اهتمامات القادة الدينيين السوقيين, فلم يغيبوايوما من الأيام عما يجري بين الراعي والرعيةبل حرصواعلى إبداء موقفهم الديني البحت أمام زعماء الطوارق غير هيابين ولاوجلين, ولم يديروا ظهورهم لما يطرأ على المنطقة من أحداث, بل يكاد المنصف يجزم أن غالب ما وقع في تلك الحقب التاريخية, من اتفاقات ومعاهدات ومراسلات بين السلاطين وشته محابر وأقلام السوقيين وهذا ما جعل القضاة من السوقيين هم الأداة المعبرة عن سياسات الدولة الأمازيغية في الصحراء الطاريقية


والجدير بالذكر أن المعطيات التاريخية والوثائق التي بأيدينا سجلت اهتمام علماء السوقيين بمصير وطنهم قبل الاستعمار إلى وصول الزحف الفرنسي .


وكان لبعض النخب العلميةالسوقية مواقفهم الإصلاحية المشهودة المشهورة في كثير من الأزمات التي عصفت بالمنطقة, واحتفظت ذاكرة تاريخ الصحراء الأزوادية بممارسة هؤلاء العلماء دورهم الديني في الحفاظ على الروابط الودية وإن اقتضى الأمر أحيانا عزل بعض السلاطين الذين لايتمتعون بالأهلية المطلوبة في إدارة شئون البلاد والعباد.


وأطلق علماء السوقيين مبادرات سياسية واجتماعية في هذا الاتجاه وأقنعوا زعماء (إيموشاغ) لقبول هذه المبادرات ومن ذلك رسالةالشيخ هارون بن محمد الإدريسي السوقي إلى الإمام محمد بلو بن عثمان فودي يخطب فيها وده ويرسل إليه ببيعة علماء السوقيين له وكل هذا من أجل أن يكف عن غزو البلاد وإليك أبيات من قصيدته وهي:


إلى سيد سادت جدودته قبل كذاك يسود بالجدود له النســـل


إلى الشيخ نجل الشيخ والعلم الذي له اخضوضعت في عزها البيض والكحل


حمدنا إليك الله جل جلالـه بما اتضحت من نور مصباحك السبل


بعثت بهذي بيعة مستمـــرة تقوم بما قامت به اليد والرجـــل


ولا يغيب عن الأذهان أن عالما من علماء السوقيين المشهورين هو الذي وفد على والي(إكدز) االمنصب من قبل الخلافة العثمانيةلأخذ موافقته على تنصيب السلطان الأول لسلاطين ( إموشاغ ) كاردنا بن أشود


وظل رجال العلم السوقيون على صلة بسلاطين (إموشاغ) بل هم همزة وصل بينهم وبين العامة في البلد, ولهم مواقف مع الظلمة منهم مشهورة ,لسنا بصدد ذكرها الآن وينبغي التنبيه إلى أن شكل السلطة في المجتمع الطارقي ينطلق في الغالب من واقع الغلبة والقوة فلم يكن هناك دستور موضوع ولامجالس ثابتة, إلا أن زعماء الطوارق في بداية الأمر يتمتعون بوازع ديني قوي مماسهل أمام قضاة السوقيين وعلمائهم أن يوزعوا السلطة إلى شقين اثنين سلطة تنفيذية للدفاع عن البلد أمام الأخطار وأخرى قضائية تتمتع بجميع الصلاحيات القضائية.




وهذه المعطيات تعطي دلالة على ما سبق من اهتمام علماء السوقيين بقضايا وطنهم ودفاعهم عنه.


الجهود الإصلاحية للمدرسة السوقية


المدرسة السوقية ليست كما يراها أو يظنها من لا يعرفها كانت ولازالت تتبنى مشروعا علميا وتربويا شاملا لجميع جوانب الحياة.


ولم تكن جهود الإصلاح مختزلة في جانب دون آخر بل كانت تشمل الإصلاح الديني التربوي حسب الإمكانيات المتاحة, وكذلك الاجتماعي والذي يتمثل في فض النزاعات,والتصدي للمشكلات الطارئة عن طريق سنان اللسان وأسلات اليراع, وتقديم النصيحة لزعماء قبائل الطوارق بالحكمة والموعظة الحسنة,والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, من لدن قيام ذلك التحالف السابق بينهم وبين سلاطين (المنطقة), إلى وقت الزحف الاستعماري الفرنسي بل وإلى اليوم .


النشاطات العلمية.


النشاط العلمي من أولويات السوقيين,حيث إن مدرستهم مافتئت محتفظة بالريادة العلميةفي الصحراء الأزوادية, وأمضى رجالاتها بياض النهار وسواد الليل منذ قرون ضاربة في أعماق القدم إلى اليوم مقابل بقاء هذه المدرسة قلعة علمية ثابتة البنيان, قوية الأركان .


ولذلك فقد ظلت مدرستهم مرجعية علمية قل لها منافس في الصحراء الأزوادية وكانت هذه المدرسةمشهورة باهتمامها المستمر بالتخصص في جميع الفنون التي تدرس عندهم


فكان همهم الوحيد هوالحرص على التحصيل المعرفي بصبغته الشرعية وملامحه العربية, والاعتناء بتدريس أهم الكتب في العربية والشريعة , واعتمدت مدارسهم تربية ملكات طلبة العلم عن طريق السلم التعليمي وإفراد المواد الدراسيةكما انحصرت الفتوى عندهم في المعتمد عند المالكية شأنهم في ذلك شأن غيرهم من علماء المغرب الإسلامي في تلك الفترة