الاثنين، 8 يونيو 2020

رسالة الشيخ / محمد بن عال السوقي إلى جميع أهل السوق

  الحمد لله رب العلمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين من عبد جميع المسلمين وجميع المؤمنين في الله محمد بن عالّ إلى جميع أهل السوق علمائهم وجهالهم وخواصهم وعوامهم ، سلام عليكم ورحمة الله وبركاته ،
أما بعد : فأسباب التنافس والتحاسد عندكم ثلاثة أشياء : القضاء والإمارة وكثرة الجيران والأتباع فيعلم الله سبحانه الذي من نسب إليه علم ما ليس كذلك في علمه فهو كافر باجـ...برآتي منها ، والإمارة عندي كالكفر ، والقضاء عندي كأكبر الكبائر ، والجيران عندي .... حالت بيني وبين جنة في الدنيا أتنعم بها دينا ودنيا حتى أنتقل فيه وكفى بالله علما وكفى بالله شهيدا ، ويعلم الله الذي يعلم السر وأخفى ولا تخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء أني لأحب أن يكون لي جار ولا صاحب قريب أو أجنبي إلا من يعلم الله أنه لا سبب لمصاحبته لي إلا المشاركة في دوام فكر وعبادة لا يفتر فيها وغير من هذه صفته فأبغض كوني معه كبغضي كوني في النار ، ولولا خوف قطع الله سبحانه سبحانه لقطع عباده لقطعتهم ولقد عزمت على ذلك عزما صميما يعلمه الله تعالى فأراني من العبر والآيات ما هو أعلم به ولو جاوزته لقطعني كما قطع الشيطان فصاحبتهم بقهره وخدمتهم بأمره وصرت راعيا لهم قائما عليهم وعلى أموالهم وجعلت نفسي فداء لأنفسهم وعيالي فداء لعيالهم أدفع عنهم جميع الجبابرة وجميع الظلمة من جميع الناس في البلاد حتى سقط فمي وعمى بصري وفني جسدي بشدة الجوع والعطش ودوامها عليّ في اتباع جنود المغيرين عليهم في رد أموالهم ولا يرحمنى أحد منهم بشربة ماء ولا لبن فمت مرات فأحياني الله بلطفه الجميل ولا أطلب الأجر إلا من الله تعالى والأجل ما علمه الله تعالى من أني ما قمت عليهم وخدمتهم إلا فيه ، منعني من نفع يحصل لي منهم ولو شربة ماء في عطش ، لئلا ينقص أجري والحمد لله والشكر له على ذلك وأنا فارح بذلك غاية الفرح لا حازن عليه أدن... حزن إذ

ليست الدنيا دار جزاء المؤمنين ، وإنما قلت جعلت نفسي فداء لأنفسهم وعيالي فداء لعيالهم وعلمي فداء لعلمهم لأنهم لا يتكلفون مشقة في اتباع أموالهم بل لا يتبعونها خوفا من العدو والمغيرين فيها أن يقتلوهم ، وخوفا من العطش والجوع وأنا أتبعهم بعلم الله بلازاد ولا ماء أياما وليالي ولا أبالي من قتلني منهم وهم يكتمون أنفسهم عنهم وأنا بنفسي ألاقيهم ، وكلهم يتسببون لعيالهم بالتجارات والأسفار ، وأنا لا أتسبب لعيالي بسبب من الأسباب ولا بسفر من الأسفار وفارقت عقد المجلس لهم لاشتغالي بمدافعة الجبابرة والظلمة عنهم وصاروا كلهم والحمد لله أغنياء وصار عيالي فقراء وكلهم يعقدون مجلس للعلم وأنا لا أعقد مجلسا للعلم حتى كأني جاهل مع أني عالم بحقيقة جميع الفنون بفتح رباني صير جميع الفنون في قلبي كنطة حتى عزمت في صغر سني وشبابي على أن أولف في كل فن تأليفا يوضحه لجميع المسلمين كالشمس فشغلني عن ذلك مدافعة فتن أخر القرن العاشر وما بعده عن السوقيين خصوصا وعن جميع المسلمين عموما ، ترجيحا للدفع عنهم على التأليف المذكور فأعانني الله الذي قال في كتابه { ولينصرن الله من ينصره } بما علمه في قلبي فكنت لهم ولجميع المسلمين في الرباط الدائم والجهاد القائم حتى فني جسدي في راحة أجسادههم ، واشتغلوا بالتعلم والتعليم وجمع المال وأنا وعيالي في جهل وفقر ، وكثرة شدة بكاء عيالي يقولون لي : السوقيون وجميع المسلمين اشتغلوا بالتعلم والتعليم وجمع المال فكن بنا على ما كانوا عليه وما أصابهم أصابنا وما نجوا منه نجونا منه ، وأقول : لهم أتركوني في هذا الدفع وهاجروا إلى غيري من العلماء يعلموكم ، ولولا هذا الدفع ما بقي من يتعلم ولا من يعلم ، فيقولون لي : نجاتنا أو هلاكنا مع المسلمين أحب إلينا من أحب إلينا من اشتغالهم بتعلم والعلم وتعليمه وبجميع المال دوننا وقد منّ المنان سبحانه في صغري وشبابي بغنائي به عن غيره فكنت بمجرد فضله وكرمه

ولطفه في عالم الملكوت لا في عالم الملك فلا أعلم غيره ولا أرى ولا أسمع إلا ذكره وعلمه وعبادته ، ومحال عندي أن أكون إلا على ما كان أهل عالم الملكوت من دام الذكر علما وعملا بلا فترة فأصابني شؤم هذا البلد المشؤم هو وأهله القاطعون لعبادة الله بسبب ما وقع بين الأستاذ محمد بن أبي محمد وبين خالي عمر بن السيوطي (1)رحمه الله فعزم الأستاذ عزما صميما لا دواء له على الركوب إلى أسْكي داوود فجفت من ذلك فتنة يهلك بها جميع السوقيين دينا ودنيا فقلت له أنا نائب عنك فسكن غضبه فنبت عنه حتى سكن الله غضبه والله أعلم . فرجعت إلى عبادة الله وتأليف العلم حتى وقع بين القاضي محمد إبراهيم وبين خالي عبد الرحمن بن السيوطي مثل ذلك لأجل طلبه الصلاح منه فغضب عبد الرحمن غضبا شديدا عزم به على قطع مادة جميع السوقيين فأمرني القاضي بمعانة على دفعه فأبيت حتى حلف أن لم أعانه على دفعه ليهربن من هذه البلاد أبدا فأعنته عليه بالله ، ثم رجعت إلى العبادة والتأليف حتى نزلت فتنة جَوْدَرْ فملأت ما بين السماء والأرض فقمت بدفعه في الله فأعانني الله وعظم حرمتي وجاهي عندهم إلى اليوم ، فملأ الشيطان قلوبكم من حسده ما لم أر ولم أسمع مثله ففرحتم فرحا ظهر لجميع الناس بما وقع على بيتي وكتبي وأهل حي من جند شعبان وقلتم الحمد لله الذي أحيانا حتى ذهبت حرمته وجاهه وعمل لزوجته ما لم يعمل لأمة من الإماء ، وهذا ضد ما وجب عليكم من شدة الحزن والأسف على منزلة عبدكم عوضا نفسه من أنفسكم وعياله من عيالكم وعمله من عملكم يقر عند كل من عظم الله
__________
(1) 1 ) السيوطي هذا رجل من السوقيين لقب بهذا اللقب تبركا بجلال الدين السيوطي لا لأنه من قرية أسيوط التي ينتسب إليها جلال الدين السيوطي الشهير ووهم بعض النسابين فزعم أن السيوطي المصري هو الذي تنتسب إليه جماعة السوقيين مع أن المصري صرح كثير من المؤرخين بأنه لا عقب له وزمانه قبل زمان هذا السوقي بقليل . المؤلف

حرمته عنده بأنه أسفل من جميعكم وأنكم أعلم منه وأعز منه وقد سماني بعضكم إلها من دون الله فتبت إلى الله من الدفع عنكم الذي سميت به إلها وتبرأت من مشاركتكم فيما سوى الإيمان بالله وعبادته حتى ألقى الله كبراءتي من إبليس وجنوده ، والإنسان لا يحسد عبده بما فتح الله عليه من الجاه والحرمة ، لأن منفتهما له وإنما يحسد من ينافسه وينكر عليه والسلام 

المصدر / الجوهر الثمين 
للشيخ / العاتيق الادريسي السوقي  رحمه الله 

ليست هناك تعليقات: